مهاب عثمان يكتب : المحاماه و الذكاء الاصطناعي
هل يمكن أن تندثر مهنة المحاماة في عصر الذكاء الاصطناعي؟
مهنة المحاماة رسالة نبيلة تحمل في طياتها قيم العدالة والحق، فهي ليست مجرد وظيفة بل التزام أخلاقي ومجتمعي بحماية الحقوق والمساهمة في بناء مجتمع يسوده القانون. المحامون هم حماة العدالة الذين يقفون في صف الضعفاء ويمثلون العدل أمام أي ظلم أو اعتداء.
ولكن في ظل الثورة التكنولوجية الراهنة وتزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، تتزايد التساؤلات حول تأثير هذه التقنيات على المهن التقليدية. مهنة المحاماة، بصفتها واحدة من أقدم المهن التي تعتمد على الفهم العميق للقوانين والتفاعل الإنساني، لم تكن بمنأى عن هذا النقاش.
فهل يمكن أن يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى اندثار مهنة المحاماة، أم أن للمحامين دورًا أساسيًا لا يمكن استبداله مهما تطورت التكنولوجيا؟
أولاً: التكنولوجيا كمساعد وليس بديلاً
تقنيات الذكاء الاصطناعي أظهرت قدرتها على أداء العديد من المهام القانونية الروتينية بكفاءة وسرعة. فعلى سبيل المثال، أصبحت هناك برامج متقدمة لتحليل الوثائق والبحث عن السوابق القانونية وأتمتة الإجراءات. توفر هذه الأدوات الوقت والجهد على المحامين وتتيح لهم التركيز على المهام الأكثر تعقيدًا، لكنها تظل أدوات مساعدة. فالقرارات القانونية تتطلب تفسيرًا وتفكيرًا نقديًا يستند إلى فهم عميق للوقائع والأطر القانونية، وهذا الدور لا يزال يعتمد على الإنسان.
ثانيًا: التفاعل الإنساني والجانب الأخلاقي في المحاماة.
مهنة المحاماة لا تقتصر فقط على تطبيق القوانين، بل تتطلب تفاعلاً إنسانيًا يتضمن مهارات التفاوض والإقناع. في حالات مثل الطلاق أو حضانة الأطفال أو القضايا الجنائية، يحتاج الموكلون إلى محامٍ يفهم حالتهم وظروفهم النفسية ويقدم دعمًا شخصيًا. الذكاء الاصطناعي قد يكون فعالاً في تحليل البيانات، لكنه يفتقر إلى القدرة على التعاطف والتواصل العاطفي مع الناس، وهي سمات جوهرية في مهنة المحاماة.
ثالثًا: التفسير القانوني المعقد
القوانين ليست قواعد ثابتة وواضحة دائمًا، فهي قد تكون معقدة وتحتمل عدة تفسيرات تتغير بحسب الظروف والسياق. المحامون لديهم القدرة على التمييز بين التفاصيل الدقيقة وتفسير القوانين بطرق تناسب حالات محددة. الذكاء الاصطناعي قد يكون قادرًا على الوصول إلى بيانات وقوانين معينة، لكنه يظل محدودًا في تأويل النصوص القانونية المعقدة أو في التعامل مع الحالات التي تتطلب اجتهادًا قانونيًا.
رابعًا: مسؤولية اتخاذ القرار الأخلاقي.
القرارات القانونية تتطلب تقييماً دقيقاً للمخاطر والعواقب، وهو أمر يصعب على الخوارزميات إنجازه بدقة. فعلى سبيل المثال، المحامي يجب أن يوازن بين مصلحة موكله ومتطلبات العدالة الأخلاقية. هذه المهام تتطلب حكماً أخلاقياً وتحليلاً متعدد الأبعاد لا يمكن للآلات القيام به، خاصةً عندما تكون القضايا متشابكة أخلاقيًا وقانونيًا.
خامسًا: التكيف مع الأدوار الجديدة للمحامين
مع تطور التكنولوجيا، قد لا تندثر مهنة المحاماة، بل قد تتغير أدوار المحامين. يمكن للمحامين أن يصبحوا مستشارين قانونيين رقميين، يتعاملون مع قضايا تكنولوجية معقدة مثل حماية البيانات وإدارة الخصوصية الرقمية. ومن الممكن أن يتخصص المحامون في مجالات جديدة، مثل الأخلاقيات القانونية للأنظمة الذكية، ما يفتح فرصًا لمهام جديدة لم تكن موجودة سابقًا.
الخلاصة بالرغم من التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي وتطوره ليشمل وظائف قانونية متعددة، من غير المرجح أن تندثر مهنة المحاماة بالكامل. سيظل للمحامين دور رئيسي في العملية القانونية، خاصةً في الجوانب التي تتطلب التعاطف، الحكمة، والقدرة على الحكم الأخلاقي. التكنولوجيا ستغير شكل المهنة وتزيد من كفاءتها، لكنها لن تكون قادرة على استبدال المحامين بالكامل، بل ستظل المهنة بحاجة إلى العنصر البشري لضمان تحقيق العدالة بشكل متكامل وفعّال.
الكاتب
مهاب محمد عثمان
محام مصري بارز
مستشار قانوني للنادي الأهلي
مؤسسة عثمان للمحاماه